تتزايد التحديات البيئية والمناخية في مختلف أنحاء العالم، خاصة في المناطق الأكثر تضررًا من آثار تغير المناخ مثل فلسطين. ورغم أنها ليست دولة ذات انبعاثات ضخمة، إلا أن فلسطين تعتبر من أكثر المناطق تأثرًا بسبب الاحتلال الإسرائيلي المستمر والعدوان العسكري الذي يعصف بالبنية التحتية والبيئة، مما يؤدي إلى إبادة جماعية مستمرة وتدمير الموارد الطبيعية. هذا العدوان يزيد من تعقيد آثار تغير المناخ ويضاعف معاناة الشعب الفلسطيني، مما يبرز الحاجة الملحة إلى دعم دولي عاجل لمساعدتها على التكيف مع هذه الآثار الكارثية.
وفي هذا السياق، اختتم مؤتمر الأطراف الـ29 (COP29) أعماله في باكو، متزامنا مع استمرار العدوان الاسرائيلي الممنهج على قطاع غزة المحاصر، والذي تواجه فيه وفود من قرابة 200 دولة ضغوطا لتسريع الجهود للحد من الاحتباس المناخي العالمي. حيث تم خلال انعقاد هذا المؤتمر الاتفاق على هدف تمويل المناخ السنوي بحلول عام 2035 بمقدار 300 مليار دولار على الاقل، وهو ثلاثة أضعاف الهدف السابق البالغ 100 مليار دولار الذي لم يتحقق بعد. ورغم أن هذا المبلغ يمثل خطوة كبيرة نحو دعم الدول النامية، إلا أنه لا يزال بعيدًا عن تلبية احتياجات هذه الدول لمتابعة التنمية منخفضة الكربون وحماية نفسها من التأثيرات المتزايدة مثل الجفاف، الفيضانات، والحرائق البرية.
وقد عبرت العديد من الدول النامية عن استيائها من المبالغ التي تم تخصيصها، واصفة المقترحات بأنها غير كافية وغير عادلة كما عبرت هذه الدول عن مخاوفها حول إمكانية وجود تمويل كافٍ للخسائر والأضرار التي تعاني منها بالفعل بسبب تغير المناخ.
التمويل المناخي وتحدياته
يشمل التمويل المناخي الجديد القروض والمنح التي تقدمها الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، كندا، أستراليا، اليابان، والدول الأوروبية، لتغطية التكيف مع الكوارث الطبيعية والاستثمار في مشاريع الطاقة منخفضة الكربون. ومع ذلك، يتطلب الأمر أن تكون هذه الأموال أكثر تنوعًا في طبيعتها، حيث يمثل نوع التمويل (مثل القروض مقابل المنح) وطريقة الوصول اليه تحديات كبيرة لكثير من الدول، كما لم يتم الاتفاق على توزيع محدد وواضح للأموال بناءً على المناطق أو الدخل، مما ترك العديد من الدول النامية في حالة من القلق بشأن استدامة هذه الالتزامات. ومن ناحية أخرى عبرت هذه الدول عن خيبة أملها من عدم تلبية الوعود التي تم الالتزام بها خلال مؤتمرات الأطراف السابقة، وإزاء القرارات التي تعتبر غير شاملة وغير عادلة. وقد انسحبت هذه الدول مؤقتًا من المحادثات في الوقت الذي كان فيه ممثلي المجتمع المدني يقيمون وقفات احتجاجية تحت عنوان “Pay Up”، مشيرين إلى أن الدول الأكثر مسؤولية عن الأزمة المناخية لم تقدم دعمًا كافيًا لمواجهة الاثار السلبية التي هم في الأساس سببها.
وفي سياق التمويل العادل وتلبية احتياجات الدول الأكثر تضررًا، أشار المؤتمر إلى الحاجة الماسة إلى التمويل لدعم الدول الأكثر تضررًا مثل الدول الأقل نموًا (LDCs) والدول الجزرية الصغيرة النامية (SIDS)، وأكد على ضرورة توفير التمويل بأسلوب يسهل الوصول إليه. كما تم وضع آلية لمتابعة تنفيذ هذه الأهداف من خلال تقرير تقدمي في عام 2028، مع مراجعة في 2030 كجزء من التقييم العالمي.
اما القضية الفلسطينية فقد أصبحت محورًا رئيسيًا في مفاوضات العدالة المناخية والبيئية، حيث شهد المؤتمر تضامنًا واسعًا من المجتمع المدني مع القضية الفلسطينية، حيث نظم نشطاء ومؤسسات عدة وقفات احتجاجية مطالبين المجتمع الدولي بالتحرك الفوري لدعم الفلسطينيين في مواجهة آثار الإبادة المستمرة وتغير المناخ. حيث دعت العديد من الحركات العالمية، بما في ذلك حملات “defund genocide”، ان يتم تضمين آثار العدوان الإسرائيلي والاحتلال المستمر ضمن قائمة التحديات المناخية التي تحتاج إلى دعم وتمويل دولي تحت شعار الإبادة البيئية” (ecocide). ويأتي هذا لان معاناة الشعب الفلسطيني تتفاقم نتيجة للإبادة الجماعية التي يتم ارتكابها عبر الاعتداءات العسكرية الممنهجة، وتدمير البنية التحتية، والتهجير القسري، مما يؤدي إلى تدهور بيئي خطير. هذه الانتهاكات تساهم في تفاقم آثار تغير المناخ، حيث تزداد هشاشة النظام البيئي في فلسطين، الامر الذي يزيد من معاناتها في مواجهة الجفاف، ندرة المياه، وتدهور الأراضي الزراعية.
وبالتالي فان هذا التضامن يعكس بشكل كبير رفض المجتمع المدني لاستخدام الموارد المالية في دعم السياسات التي تساهم في إبادة الشعب الفلسطيني، ويؤكد على ضرورة تحويل التمويل نحو القضايا الإنسانية والبيئية. كما يجب تسليط الضوء على الحاجة الماسة لتقديم الدعم الدولي لفلسطين، ليس فقط في سياق حقوق الإنسان، ولكن أيضًا في سياق الحقوق البيئية وكجزء من الجهود العالمية للتصدي لتأثيرات تغير المناخ. وعليه فان تضمين فلسطين في آليات التمويل المناخي العالمية وخصوصا صندوق الخسائر والأضرار، سيضمن لها العمل لتعزيز صمودها في مواجهة التحديات البيئية والمناخية التي تفاقمت بسبب الاحتلال والعدوان المستمر.
اما موقف فلسطين من المؤتمر: فلسطين ليست عضوًا كاملاً في منظمة الأمم المتحدة، إلا أنها العضو الـمئة وسبعة وتسعون (197) في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ووقعت على اتفاقية باريس منذ عام 2016، التي تهدف الى تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة، تعزيز التكيف مع آثار تغير المناخ، وتقديم دعم مالي للدول النامية لمواجهة هذه التحديات وبشكل رقمي تهدف اتفاقية باريس الى الحد من الاحتباس الحراري إلى أقل من 2 درجة مئوية مقارنة بمستويات ما قبل العصر الصناعي، مع السعي للحد من الزيادة إلى 1.5 درجة مئوية. وبذلك، فإن لفلسطين صلاحية للاستفادة من صندوق التكيف. وفي المقابل يجب تكريس الجهود لضم فلسطين إلى صندوق الخسائر والأضرار، حيث يمكن إثبات أن العدوان الإسرائيلي يتسبب بإبادة ليست فقط انسانية، بل وبيئية تستدعي تدخل المجتمع الدولي لتقديم الدعم اللازم في مواجهة هذه الآثار الكارثية.
في ختام مؤتمر الأطراف الـ29 (COP29)، تظل القضية الفلسطينية محورية في مناقشات العدالة المناخية والبيئية، حيث تبرز الحاجة الماسة لتوفير الدعم الدولي لفلسطين لمواجهة تأثيرات تغير المناخ في ظل العدوان الإسرائيلي المستمر وذلك من اجل تحقيق العدالة المناخية وتلبية احتياجات وحقوق الشعب الفلسطيني في مواجهة هذه التحديات.