ملخّص تنفيذي

تحتل مؤسّسات المجتمع المدني مركزاً متميّزاً في المجتمع الفلسطيني، وقد عكس مسار هذه المؤسّسات ثورة التطوّر في فلسطين ضمن السنوات الأولى من القرن العشرين منذ أن بدأ مجتمع مدنيّ متذبذب في فلسطين بالظهور مكونناً من مجموعات دينيّة ونوادٍ واتحادات عمال وجمعيّات نسويّة بعد الحرب العالميّة الأولى وتفكّك الدولة العثمانيّة. ولكن مع خلق الكيان الصهيوني وتشريد أكثر من 750,000 فلسطيني أصبحت الشبكات المجتمعيّة متوترة وبدأت بالانحلال. وبينما استمرت مؤسّسات المجتمع المدني بالعمل بعد عام 1948 بدأ عدد كبير من الفلسطينيين بتركيز طاقاتهم على حركات المقاومة والسياسة. وعندما عاودت هذه الحركات فعاليتها أو تأثيرها على نحو متزايد في أواخر الستينيّات، أعطت مجالاً مفتوحاً لمؤسّسات المجتمع المدني لترسيخ جذورها. وقد أدت السنوات التالية لاحتلال الكيان الصهيوني للضفة الغربيّة وقطاع غزّة إلى توسع المؤسّسات الفلسطينيّة وظهور منظّمة التحرير الفلسطينيّة (PLO) .

وعندما بدأ الفلسطينيون بالتحرك بدأت مؤسّسات المجتمع المدني بالاندماج مع الفصائل السياسيّة وتقديم الخدمة لهذه الجماعات “كتوابع” ، واستمر هذا الأمر خلال الانتفاضة الأولى إلى أن تم توقيع اتفاقيّة اوسلو . وبعد التوقيع على الاتفاقيّة سنة 1993 ، بدأت منظّمة التحرير الفلسطينيّة باستيعاب العديد من مؤسّسات المجتمع المدني للانخراط في الخدمة كوزارات في السلطة الوطنيّة الفلسطينيّة الناشئة (PNA) .وترك هذا التحرك مجالا لمؤسّسات تزويد الخدمات للتشكّل دون الاندماج مع أي فصيل سياسي ، وقد انتعشت مؤسّسات المجتمع الفلسطينيّة في العشرين سنة الماضية منذ اتفاقيّة أوسلو.

تعمل في الوقت الراهن حوالي 2,245 مؤسّسة مجتمع مدني في الضفّة الغربيّة أي بمعدل مؤسّسة لكل ثلاثة كيلو متر مربع . وقد خلقت وفرة مؤسّسات المجتمع المدني مع المنح الدوليّة عالية المستوى بيئة معقدة تم خلالها إدارة العلاقات الاجتماعيّة التي تمنع في بعض الأحيان الاستغلال الأمثل لرأس المال الاجتماعي. ونتيجة لذلك فإن رأس المال الاجتماعي اعتبر أداة فعّالة في إنشاء شبكات فلسطينيّة وتلبية احتياجات المجتمع في وقت مبكر في القرن العشرين، الأمر الذي كان عرضة للهجوم باستمرار وعلى مدى الستين سنة الماضية.

لكن العلاقات الاجتماعيّة أصبحت تحت تأثير ضغط متزايد ومستمر، وزيادة على ذلك فإن الوضع المحلي والوضع السياسي اندمجا عن طريق زيادة الاعتماد على المساعدات الخارجيّة. كل هذه العوامل لعبت دوراً في خلق التفاعل بين المانحين الدوليين ومؤسّسات المجتمع المدني والمجتمعات المحليّة مما فرض على مؤسّسات المجتمع المدني الفلسطينيّة إدارة المنح بشكل فعّال من أجل التأكد من التعاون فيما بينها لتجنب المشاريع المتكررة .

وقد أثّر الوضع السياسي في فلسطين منذ نهاية الحرب العالميّة الأولى على المجتمع المدني والعلاقات الاجتماعيّة، الأمر الذي أثر سلباً على رأس المالي الاجتماعي. ويفترض فريق بحث أريج أنّه من أجل أنّ تعزز مؤسّسات المجتمع المدني رأس مالها الاجتماعي يجب عليها التركيز على تقوية العلاقات مع خمسة قطاعات رئيسية وهي مجتمعاتها المحليّة ومؤسّسات المجتمع المدني الأخرى والحكومة والقطاع الخاص ووسائل الإعلام.

ومن أجل الحصول على رؤية واضحة للعلاقة الحالية بين مؤسّسات لمجتمع المدني و القطاعات المذكورة، فقد تم إجراء مقابلات مع عشرين مؤسّسة تعمل في الضفّة الغربيّة عن طريق استخدام استمارة مكوّنة من مئة سؤال. ووجهت هذه الدراسة أسئلة إلى تلك المؤسّسات بشأن مدونات السلوك والتعاون بين مؤسّسات المجتمع المدني، وفعاليّة شبكة المنظمات غير الحكوميّة الفلسطينيّة والشراكة مع القطاع الخاص سواءً أكانت هذه المؤسّسات متأثرة بسياسة الحكومة أو غير ذلك وكيف تستغل المؤسّسات وسائل الإعلام .ونتيجة لهذه المعلومات الكميّة والنوعيّة أصبح من الواضح أنّ الخطوات الأساسيّة التي يجب على مؤسّسات المجتمع المدني اتباعها من أجل تعزيز رأس المال الاجتماعي هي التركيز على الشرعيّة والمساءلة.

واعتماداً على نتائج هذه الدراسة وعلى الخلفيّة التاريخيّة للمجتمع المدني الفلسطيني، فقد تم تطوير مجموعة من الإرشادات الشاملة من أجل مساعدة مؤسّسات المجتمع المدني على تقوية علاقاتها مع القطاعات المذكورة ، وقد تم تصنيف التوصيات حسب أفضل الممارسات الأكثر جدوى مع كل قطاع، وتم تزويد مؤسّسات المجتمع الفلسطينيّة بتغذية راجعة يمكن أن تساعدها على تقييم بنائها التنظيمي وكذلك كيفيّة ارتباطها مع القطاعات المختلفة .

وتظهرنتائج هذه الدراسة أنّ ضعف العلاقة بين القطاعات المختلفة أدى إلى إضعاف رأس المال الاجتماعي الفلسطيني. لذا فإن وجود آليّات محدّدة وواضحة تركّز على المساءلة ستزود مؤسّسات المجتمع المدني بالفرصة التي تقوي مصداقيتها من خلال قاعدة أنصار تعزّز شرعيتها. حيث أنّه عندما تكون مؤسّسات المجتمع المدني شرعيّة سيكون لدى المجتمع المدني إرادة أقوى للمشاركة معها والارتباط بها ، وسوف تدعم العلاقة القويّة مع مؤسّسات المجتمع المدني الأخرى والقطاع الخاص والإعلام ،الأمر الذي سيؤدي إلى علاقة أقوى مع الحكومة والمجتمع. وليس من الممكن لمؤسّسات المجتمع المدني خلق تغيير اجتماعي دائم ما لم يتم تقديرها واحترامها من قبل المستفيدين. لذا فإنّه من خلال اتّباع خطوات فعّالة لتطوير علاقاتها مع القطاعات الخمسة الآنفة الذكر تستطيع مؤسّسات المجتمع المدني الفلسطينيّة تقوية رأس المال الاجتماعي مما سوف يضعها في الطليعة من جديد عن طريق قيادة مجتمع مدني حيوي و متقدّم.

للراغبين الحصول على النسخة الكاملة الرجاء الاتصال على أريج