معهد الابحاث التطبيقية (أريج)

15/2/2014

كان ومازال النزاع على المياه احد أهم أبعاد الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ، فالهيمنة الإسرائيلية على مصادر المياه الفلسطينية لا تقف  فقط عند حد السيطرة على هذه المصادر وانتهاك الحقوق المائية الفلسطينية بل تتضح ايضا من خلال الاكاذيب التي تقوم اسرائيل بالترويج  لها من اجل تضليل الراي العام وتثبيت سيطرتها على مصادر المياه الفلسطينية.  ويظهر ذلك جليا عندما قام عدد من اعضاء الكنيست الاسرائيلي بالانسحاب بعد سماع خطاب رئيس البرلمان الاوروبي "مارتن شولتس"  واتهامه بالتحريف والكذب وذلك ردا على ما قاله بالنسبة لمعاناة الشعب الفلسطيني والتميز الإسرائيلي ضد الفلسطينيين وخاصة فيما يتعلق بالتميز بين الاستخدام و التوزيع غير العادل للمياه بين المواطن الاسرائيلي والفلسطيني. حيث قال مستغربا ان المواطن الاسرائيلي يستهلك  70 لتر  في اليوم في حين لا يتجاوز معدل التزويد للمواطن الفلسطيني 17 لتر فقط.

 

حيث اثار ذلك غضب عارم لدى الإسرائيليين واعضاء الكنيست كما انه دفع كل من رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ووزير الشؤون الاستراتيجية يوفال شتاينيتص  للرد على التصريحات التي قام بها رئيس البرلمان الاوروبي، حيث قالوا منتقدين ان هذه المعطيات المتعلقة بكمية المياه المزودة للفلسطينيين غير صحيحة ولا يوجد أي تميز مدعين  ان المواطن الاسرائيلي يستهلك  150 لتر في اليوم مقابل 100 لتر  للمواطن الفلسطيني وهذا الفرق يعود  للمستوى المعيشي بين الشعبين وذلك حسب ادعاءاتهم.

وتتجلى وقاحة دولة اسرائيل  في عدم  تحملها لنقد ورفضها لأي شخص يقوم  بالكشف عن الحقائق المتعلقة بحقوق الشعب الفلسطيني ومواجهتهم بها فهي دائما تسعى وتحاول استبدال هذه الحقائق بأكاذيب لا اساس لها من الصحة كما تبين من خلال معطياتهم بالنسبة للحقوق المائية الفلسطينية. فكما هو معروف ان المياه في الأراضي الفلسطينية المحتلة  تتوفر من مصدرين أساسيين هما المياه السطحية المتمثلة بنهر الأردن والمياه الجوفية المتمثلة بحوض الساحلي في قطاع غزة وأحواض الضفة الغربية. ولكن في ظل السيطرة الإسرائيلية الكاملة على مياه نهر الأردن أصبحت المياه الجوفية هي المصدر الأساسي والوحيد للمياه في الأراضي الفلسطيني المحتلة.

فبحسب سلطة المياه الفلسطينية  فان كمية المياه المزودة للسكان الفلسطينيين في عام 2011بلغت حوالي 88 مليون متر مكعب في الضفة الغربية مما يعكس ان معدل الاستهلاك اليومي للفرد ما يقارب 72 لتر/اليوم. وتوضح الأرقام إن كمية الاستهلاك في الأراضي الفلسطينية أقل من الحد الأدنى الذي توصي به منظمة الصحة العالمية والبالغ 100لتر/فرد/اليوم. وهذا يعني ان العجز الفعلي في كمية المياه المزودة زاد عن 65 مليون متر مكعب.  وهذا ما اكدته العديد من المنظمات العالمية في تقاريرهم  ومنها منظمة امنستي والبنك الدولي،  فعلى سيبيل المثال اشار تقرير البنك الدولي في عام 2009 ان المواطن الفلسطيني يستهلك 73  لتر/اليوم بمقارنة مع 300 لتر للمواطن الاسرائيلي. كما صنفت إحصائية لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) 194 تجمع فلسطيني في مناطق "ج" في الضفة الغربية بأنها  تجمعات لا تتلقى إمدادات مياه بشكل مناسب، حيث:  افادت ان ما يقارب  86% من اصل 64  تجمع سكاني موجود في مناطق "ج" بحاجة ماسة إلى إمدادات المياه في شمال الضفة الغربية ، كما ان  90% من التجمعات السكانية في مناطق "ج" غير مرتبطة بشبكة المياه في وسط الضفة الغربية ، اما في جنوب  الضفة الغربية فانه يوجد  حوالي 30000 فلسطيني غير مرتبطين بشبكة المياه، ناهيك عن ندرة توفير المياه التي منعت السكان من إحداث أي تطوير على نواحي حياتهم. كما وأشارت مجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية في حالات الطوارئ  إلى أن هناك 441 تجمع فلسطيني في الضفة الغربية قادرين فقط على الحصول على أقل من 60 لتر من المياه لكل شخص في اليوم الواحد وهي نسبة تعادل 60% مما توصي به منظمة الصحة العالمية 100 لتر لكل شخص في اليوم.

اما مركز المعلومات الاسرائيلي لحقوق الانسان " بتسيلم"  فقد اشار ان معدل الاستهلاك للمواطن الفلسطيني يبلغ  30 لتر في اليوم  في بعض التجمعات الفلسطينية في شمال الضفة الغربية مقابل 400 لتر للمستوطن الاسرائيلي في المستوطنات غير الشرعية المجاورة. فعلى سبيل المثال تحصل قرية  الحديدية  وطوباس  الواقعتين في منطقة الاغوار على ما يقارب من 20 لتر للفرد في اليوم فقط مقابل  431لتر  لمستوطنة روعي 406لتر المجاورة لهذه القرية  كذلك هو الحال في طوباس  التي تحصل على 30 لتر للفرد في اليوم فقط مقابل  431لتر لمستوطنة لمستوطنة أرجمانالمجاورة. 

 

 

 معدلات الاستهلاك للمياه لسكان المستوطنات والتجمعات الفلسطينية المجاورة لها

معدل الاستهلاك**

لتر/فرد/يوم

المستوطنات  الاسرائيلية

معدل الاستهلاك *

لتر/فرد/يوم

 التجمعات الفلسطينية

431

روعي

20

الحدادية

406

بيقاعوت

30

طوباس

411

أرجمان

82

الزبيدات

433

نيران

82

العوجا

 

ولم تقتصر سياسة إسرائيل الغير القانونية والعنصرية في توزيع المياه على المستوطنات، فقد كان نصيب المستوطنات الزراعية أكثر.

حيث أفادت Agrexco، وهي شركة إسرائيلية تعمل في مجال الزراعة، بان 60-70٪ من جميع المنتجات التي تقوم الشركة بتسويقها وبيعها يتم زرعتها في غور الأردن، حيث أنها تعمل على نطاق واسع مع المستوطنات الإسرائيلية هناك ومنها تومر، ميحولا، الحمرا، نيتيف هاجداد  وبيت وادي عربة. وفي الوقت الذي يكافح فيه المزارعين الفلسطينيين المحليين في الأغوار من أجل إنتاج المحاصيل بسبب نقص المياه، تزدهر في غور الأردن الشركات والمستوطنات الإسرائيلية ليس إلا بسبب المنهجية المتحيزة في سياسة التوزيع للمياه في غور الأردن مما احدث حالة من التدهور في قطاع الزراعة الفلسطينية هناك حيث تدهورت المساحات الزراعية الفلسطينية الى اقل من  50000دونم في الوقت الذي يمكن فيه للفلسطينيين أن يزرعوا ما يزيد عن 300,000 دونم وهي مساحات زراعية إسرائيلية ومساحة المستوطنات والمناطق العسكرية التي يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي.

ومن الواضح انه ومنذ انطلاق عملية السلام في الشرق الأوسط وتوقيع الاتفاقيات بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي ما زالت إسرائيل تصر وترفض البحث في موضوع الحقوق المائية الفلسطينية بل هي تسعى وتحاول استبدال هذه الحقوق بالاحتياجات الآنية للفلسطينيين. وتقوم إسرائيل بترويج على أنها تقوم باستغلال كافة المصادر المائية المتوفرة لديها وذلك من اجل عدم منح الفلسطينيين حقوقهم المشروعة في المياه وأيضا من اجل إيجاد مصادر مائية خارجية وهذا كله يصب في تكريس سيطرتها على مصادر المياه الفلسطينية.

ان سياسة التميز التي تنتجها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني  وانتهاكها للحقوق المائية الفلسطينية  تعتبر التحدي الاكبر الذي يعيق تنمية قطاع المياه الفلسطيني، فالعديد من السياسات الإسرائيلية كالإغلاقات والجدار الفاصل ومعيقات الحركة إضافة إلى عمليات هدم المنشئات المائية تحول دون إمكانية تطوير قطاع المياه وتشكل عائقا حقيقيا أمام قدرة الفلسطينيين على إدارة واستخدام مصادرهم المائية.

المقالة منشورة على PNN