د. جاد اسحق

معهد الابحاث التطبيقية – القدس أريج


Submitما أشبه اليوم بالبارحة….فاليوم يُطل علينا رأس الدبلوماسية الأمريكية جون كيري في جولة جديدة للأراضي الفلسطينية المحتلة والتي يبدو أنه شخصيا لا يراها كذلك رغم قرارات الأمم المتحدة والشرعية الدولية واعتراف دول العالم بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية بتلك الحقيقة.

ورغم أن كافة أركان ومُعطيات القضية واضحة لا لبس فيها ، لا يزال وزير الخارجية الامريكي يناور كسابقيه وكأصدقاء بلاده الإسرائيليين بأن هناك ما يستوجب التفاوض بشأنه وبالتالي الضغط باتجاه المزيد من التنازلات الواجب تقديمها من الجانب الفلسطيني في محاولات مُضنية لتليين الموقف التفاوضي الفلسطيني وتحديدًا ما يخُص القضايا الرئيسية كالقُدس واللاجئين والحُدود والمياه والمُستوطنات رغم علمه وحلفائه بعدم جدوى تلك الضغوط.

لقد إعتاد الجانبان الأمريكي والإسرائيلي توجيه أصابع الإتهام إلى الرئيس الفلسطيني السابق الشهيد ياسر عرفات على مواقفه التي كانت متراسًا أمام هذه الضغوطات والتي إعتبرها الطرفان عقبة أمام تحقيق السلام، واليوم التاريخ يعيد نفسه حيث يتم توجيه نفس الإتهامات إلى الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي يرفض الرضوخ إلى هذه الضغوط والتنازل عن ثوابت وحقوق الشعب الفلسطيني في الوقت الذي تستمر فيه دولة الإحتلال بالتعنت والإستخفاف بقرارات المجتمع الدولي العادل أمام ما ترتكبه إسرائيل من جرائم في حق الشعب الفلسطيني وأرضه ، بل وذهبت في تماديها إلى إتهام الرئيس الفلسطيني بأنه العقبة الرئيسية أمام تقدم العملية السلمية في الوقت التي ترفض فيها إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أن تدركان حقيقة مطلقة بأن حقوق الشعب الفلسطيني في الوطن والشتات لا تخضع للمساومة والإبتزاز وليس لشخص واحد مهما كانت مكانته أن يقرر بشانها.

 هذا وتأتي زيارة كيري إلى الأراضي الفلسطينية اليوم تحت شعار دعم المفاوضات وتذليل العقبات وبدوره بنيامين نتنياهو يأبى إلا أن يستقبل ضيفه وحليفه الأمريكي على طريقته الخاصة بالإعلان عن مُخططات لبناء وحدات إستيطانية جديدة في الضفة الغربية والقدس الشرقية وإقرار البدء الفعلي لبناء أكثر من 5000 ألاف وحدة إستيطانية منها 1500 وحدة في مستوطنة "رامات شلومو" في القدس المحتلة.

في المقابل لا تزال إسرائيل تسير قدمًا في سياستها الرامية إلى ضرب صمود المواطن الفلسطيني على أرضه حيث هدمت ما يزيد عن 400 منشأه سكنية وزراعية وصناعية في مختلف أنحاء الأراضي المحتلة والقدس الشرقية و تسليم أكثر من 600 أمر عسكري ومدني لهدم المنازل والممتلكات الفلسطينية بما في ذلك هدمها لمبنى تابع للبطريركية اللاتينية في القدس الشرقية ويقع على المدخل الشمالي لمدين بيت لحم حيث قامت جرافات الاحتلال بهدم المبنى بدون سابق إنذار علما بأنه تم بناؤه قبل العام 1967، هذا بالاضافة إلى مصادرة ما يزيد عن 8000 دونمًا من الأراضي الفلسطينية لصالح التوسع الإستيطاني وإقتلاع وتدمير ما يزيد عن 11000 شجرة، ناهيك عن قرار بناء جدار على إمتداد الحدود الشرقية مع الأردن وذلك بهدف تكريس سيطرتها العسكرية-الجبرية على الأغوار الفلسطينية والتي بدأتها بإزالة الألغام من 5000 دونم في تلك المنطقة وقامت بتخصيصها لاحقًا لصالح لإستيطان الزراعي في الأغوار الفلسطينية.

في واقع الأمر فإن زيارة كيري اليوم لا تختلف عن سابقاتها والتي تعتبر إمتدادًا للنهج الترويجي لخطته الإقتصادية التي من شأنها "حسب إعتقاده" دفع العملية السلمية وحسب إدعاءه بأن الدعم الإقتصادي سيكون رديفًا وليس بديلاً عن الحلول السياسية الأمر الذي يتناقض في واقع الأمر مع الضغوطات التي يمارسها على القيادة الفلسطينية لتقديم التنازلات السياسية بينما يقف عاجزا أمام التعنت الإسرائيلي والشروط التعجيزية المسبقة التي يفرضها رئيس وزراء دولة الإحتلال للمضي قدمًا في العملية التفاوضية.

إن إنتهاكات إسرائيل المتكررة ورفضها الإمتثال لقرارات مجلس الامن والجمعية العامة للأمم المتحدة واللتان تدينان السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بكافة أشكالها مُستترة وراء الدعم الأمريكي المُطلق، والذي بدوره مسَ بمصداقية الأخيرة في الشارع الفلسطيني والعربي بشكل عام وإنتهاء دور الولايات المتحدة كوسيط نزيه وراعي للعملية السلمية، وأمام العجز الواضح عن ردع إسرائيل ووقف سياساتها الاستيطانية والتوسعية وفرض الواقائع على الارض بهدف توجيه مسارات التفاوض والنتائج المترتبة عن أي عملية تفاوضية، كما أن التعنت الإسرائيلي في قبول وضع مبادىء الحل الشامل ما هو إلا جزء من المخطط الإسرائيلي الرافض لأي حل دائم ويدفع بإتجاه الحُلول المرحلية والتي تهدف إسرائيل من خلالها إلى تثبيت وقائع إستيطانية على الأرض من خلال التوسع الإستيطاني وبناء الجدار الفاصل إضافة إلى حشد الدعم للإعتراف بيهودية الدولة كأحد الشروط المسبقة على الجانب الفلسطيني في المفاوضات والتي تسعى من خلاله إلى تحييد الوجود العربي الفلسطيني داخل دولة الإحتلال وقطع الطريق على أي حل يتضمن عودة أي من اللاجئين الفلسطينيين إلى قُراهم ومنازلهم التي هُجروا منها قسرًا.